نحن المحاميات و المحامون المشاركون في الوقفة الاحتجاجية الوطنية المنظمة، بدعوة من فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، يومه الجمعة 24 دجنبر 2021 أمام محكمة النقض بالرباط نعلن ما يلي:
في سياق المعركة المهنية و الحقوقية التي يخوضها عموم المحاميات و المحامين بالمغرب ضد الدورية الثلاثية التي أجهزت على حقوق الدفاع و اغتالت حق المتقاضين في اللجوء للمحاكم لحماية حقوقهم و حرياتهم بدون تمييز، فقد أبى الزميلات و الزملاء من كل ربوع الوطن إلا أن يلبوا نداء الواجب المهني، فانصهرت كل مكوناتهم و إطاراتهم المهنية في خندق واحد للدفاع عن الكرامة المهنية و الانتفاض ضد الجور و التعسف على الحقوق و الحريات.
إن هذه الوقفة الاحتجاجية تجسد بالملموس أن المحاماة هي خط الدفاع الأول و الأخير عن الحقوق و الحريات و قيم الحق و العدالة، و ليس عبثا أن اتفقت كل المجتمعات البشرية المتحضرة على الإعلاء من شأن المحاماة و منحها مكانة اعتبارية عالية لأن التاريخ يشهد أنها كانت دوما قلب المجتمع النابض و صوته الناطق.
و اليوم يسجل التاريخ، مرة اخرى، أن المحاماة وقفت شامخة لتصد عدوان السلطة على المحاكم و تدافع عن حق المواطنات و المواطنين في ولوجها بدون تمييز للدفاع عن حقوقهم و حرياتهم و البحث عن تحقيق العدالة التي هي أساس الملك. إن المحاميات و المحامين بالمغرب، وفاءا منهم للرسالة الحقوقية لمهنة المحاماة، لم ينتفضوا بحثا عن امتيازات فئوية أو حفاظا على مصالح خاصة، بل إنهم انتفضوا ضد تغول السلطة التنفيذية التي أرادت إخضاع حق المواطنات و المواطنين في الالتجاء للعدالة لقيود تمييزية في خرق سافر لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 3 من المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و التي تنص بصريح العبارة على أن التدابير الإحترازية التي تقررها الحكومة لا تحول “دون ضمان استمراية المرافق العمومية الحيوية و تأمين خدماتها للمرتفقين” و في خرق فاضح للمادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و للمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و المادة 16 من المبادئ الدولية بشأن دور المحامين التي اعتمدتها الأمم المتحدة و المعروفة بمبادئ هافانا.
إن المحاميات و المحامين بالمغرب يقولون للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و للسيد رئيس النيابة العامة بأن توقيعهم على الدورية الثلاثية هو توقيع على التخلي عن استقلالية السلطة القضائية التي ناضلت القوى الحية للشعب المغربي من أجل تحقيقها لتكون حصنا حصينا لحماية الحقوق و الحريات ضد تعسف السلطة التنفيذية، وها أنتم اليوم، من حيث تدرون أو لا تدرون، تعيدون القضاء إلى مظلة وزارة العدل و تحولونها من سلطة دستورية مستقلة و مؤتمنة على حقوق و حريات المغاربة إلى جهاز منفذ لقرارات تنفيذية مفتقدة للشرعية القانونية..
إن المحاميات و المحامين بالمغرب يقولون لوزير العدل: “ألا تعلم يا وزير العدل، بأنك مسؤول عن تدبير مرفق عمومي حيوي يوجب عليك القانون أن تضمن استمراريته و تؤمن استفادة المرتفقين من خدماته ؟!!!!”
“ألا تعلم يا وزير العدل، أن حقوق المواطنات و المواطنين التي تفصل فيها المحاكم لا تقل قيمةعن الحق في الصحة ؟!!!”
“ألا تعلم يا وزير العدل أن التلقيح اختياري و أنك مسؤول عن تأمين استفادة المواطنات و المواطنين الذين اختاروا عدم التلقيح من خدمات العدالة كمرفق عمومي حيوي مكلف بحماية حقوقهم و حرياتهم ؟!!!”
“ألا تعلم يا وزير العدل أن حرية معتقل أو حقوق ضحية قد تكون متوقفة على شهادة شاهد اختار استعمال حقه القانوني في عدم التلقيح و تمنعه دوريتك الثلاثية من أداء شهادة الحق لتبرئة المتهم أو اقتضاء حق الضحية ؟!!!” “ألا تعلم يا وزير العدل، أن ضمان شروط المحاكمة العادلة للمتقاضين يتوقف على حضور الدفاع الذي تمنعه دوريتك الثلاثية من أداء واجبه المقدس لإنه اختار استعمال حقه القانوني في عدم التلقيح ؟!!!”
يا أصحاب الدورية الثلاثية إن المحاكم مرفق عمومي حيوي و مرسوم حالة الطوارئ لا يجيز لأي كان، باسم التدابير الاحترازية، أن يمنع المرتفقين من ولوجه دون أن تؤمن لهم طريقة لاستمرار استفادتهم من خدماته طبقا للقانون دون تمييز أو عقاب على اختيارهم لحقهم القانوني في عدم التلقيح.
إن المحاميات و المحامين بالمغرب يعلمون علم اليقين أن أصحاب الدورية الثلاثية لا يجهلون القانون و لا الطبيعة الحيوية لمرفق العدالة و أنهم إنما يستهدفون خنق آخر ما تبقى من حريات و حقوق و قتل روح مقاومة الجبروت و الطغيان. و سيشهد التاريخ و سيشهد الشعب المغربي أنه حتى إن نجحتم في عسكرة العدالة و تحويلها من ملجأ للمتقاضين لحماية حقوقهم و حرياتهم إلى أداة للترويض على الخضوع لإرادة التسلط، فإن المحاميات و المحامين بالمغرب ظلوا أوفياء للرسالة الكونية للدفاع و لم و لن يترددوا في التضحية بالغالي و النفيس من أجل الدفاع عن كرامة و حقوق و حريات المواطنات و المواطنين و أنهم وقفوا بشموخ في وجه طغيان السلطة التنفيذية و هبوا لتحرير السلطة القضائية من شراك التبعية التي أسقطها فيها وزير العدل عن طريق الدورية الثلاثية المشؤومة، و ستبقى انتفاضتهم النضالية شعلة منيرة في درب الدفاع عن الحق و العدالة. و في الختام نؤكد أننا ماضون، بعزم و ثبات، في درب النضال المهني و الحقوقي و لن نساوم و لن نتراجع و لن نستسلم قبل إسقاط الدورية الثلاثية، و نشد بحرارة على يد نقبائنا و ممثلينا في مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب و نقول لهم صابروا و اصبروا في قيادة معركة الكرامة و الحقوقى و نحن معكم نشد عضدكم في مواجهة إرادة التغول السلطوي، فامضوا في ثبات و لا تتراجعوا و لا تتنازبوا قيد أنملة عن مواقف الحق فإن النصر صبر ساعة و سيسجل التاريخ صمودكم بمداد من ذهب في سجل الأمجاد المهنية. كما أننا نرفع القبعة لكل الإطارات المهنية التي أبت إلا أن تعبر عن علو همتها و بعد نظرها و نكرانها للذات في سبيل وحدة الصف المهني.
وإنها لمعركة حتى التصر
عاش الشعب المغربي حرا أبيا
و عاشت مهنة المحاماة حرة و شامخة
و حصنا منيعا للدفاع عن الحقوق و الحريات
الرباط 24 / 12 / 2021