مداخلة بالندوة المنظمة من طرف اتحاد المحامين الشباب بالرباط يوم 23-1-2020 حول موضوع :
الحماية الاجتماعية للمحامي بين خصوصية المهنة و أنظمة الهيئات.
محور المداخلة : معيقات انخراط المحامي في نظام التأمين وفق القانون 98.15
بسم الله الرحمان الرحيم
أود بداية أن أشكر السيد رئيس وأعضاء مكتب اتحاد المحامين الشباب بالرباط على دعوتهم الكريمة،وعلى اختيارهم الموفق لموضوعها الذي يكتسي أهمية بالغة بعد صدور القانونين 15.98و 15.99. ومراسيمهما التطبيقية.
قانونان ارتأت الحكومة أن تشمل بهما المهنيين و غير الأجراء و المستقلين في تأمين إجباري عن المرض و نظام معاشات واحد.وهو توجه محمود سيستفيد منه المهنيون الذين لم يكونوا يتوفرون على أي نظام للتغطية الصحية و لا على أي نظام للتقاعد.
لكن ماذا عن المحامين الذين يتوفرون على تعاضدية وعلى أنظمة اجتماعية بهيئاتهم ؟
لا أخفيكم سرا أنني وعند الإعداد لهاته المداخلة المتواضعة وجدت نفسي متعصبا لتعاضدية هيئات المحامين بالمغرب،فالحماية الاجتماعية للمحامي لم تكن يوما ضمن اهتمامات الحكومات ببلدنا وهو ما جعل أجيال المحامين وأسرهم عرضة لتقلبات الزمن و المرض.نقباء وقيادمة أخذوا زمام المبادرة مشكورين وبذلوا جهودا مضنية لوضع حجر أساس تعاضدية هيئات المحامين بالمغرب.وبينما هي تشتغل الآن يصدر قانون يتجاهلها ويحشر المحامين في سلة واحدة مع مجموعة من المهن .
لكن ،ولإخضاع النقاش لمعايير أكثر مصداقية، ارتأيت أن أعيد التفكير في منطلقاتي لتكون خلاصات مداخلتي أقرب للإفادة و الواقعية.وأنه يجب علي قبل البحث عن الوضع الأفضل لنا ،هل هو البقاء بالتعاضدية أم المرور نحو صندوق الضمان الاجتماعي،أن أناقش الشكليات قبل التطرق للموضوع ،ولأسأل أولا هل يمكن للمحامين ولهيئاتهم الخضوع للقانونين ؟وهل يستجيب القانونان المذكوران لخصوصيات مهنة المحاماة ويحافظان على اختصاصات ونظم هيئاتها ؟
إن الحديث عن انخراط المحامي في نظام التأمين الإجباري عن المرض يستلزم منا إخضاع مواد القانونين الجديدن ومراسيمهما لمجموعة من المعايير الواردة بقانون مهنة المحاماة 08.28 و النظام الداخلي لهيئات المحامين والنظم الأساسية لتعاضدية هيئات المحامين بالمغرب.
ولنبقى قريبين من عنوان الندوة سأقتصر على مناقشة القانون 98-15 ومدى ملاءمته لأهم خصوصيات مهنة المحاماة والمتمثلة في الإستقلالية، لأتطرق بعد ذلك لمحاولة إبراز حدوده في احترام اختصاصات الهيئات وأنظمتها ثم مدى تعارضه مع النظم الأساسية لتعاضدية المحامين.
1-القانون 98-15 وخصوصية استقلال المحامي:
من المعروف أن المشرع أفرد لكل مهنة قانونا خاصا باختلاف المهن وطبيعتها واختصاصاتها،غير أن مهنة المحاماة تتميز من خلال تعريف المشرع لها بكونها مهنة مستقلة حسب المادة 1 من القانون 08.28.
وبلمحة سريعة على القوانين المنظمة للمهن لا نجد نصا يتضمن تعريفا مشابها،وكمثال : المهن القانونية.
فقانون مهنة التوثيق يعرف التوثيق بكونه “مهنة حرة تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات إلخ …”
وقانون خطة العدالة يستهل مواده بالنص على أنه “تمارس خطة العدالة بصفتها مهنة حرة حسب الاختصاصات …إلخ”
وقانون المفوضين القضائيين يعرف المفوض القضائي بكونه “مساعد للقضاء يمارس مهنة حرة وفقا لأحكام هذا القانون …إلخ “.
ونفس الشأن بالنسبة لباقي المهن المشمولة الآن بالقانون الجديد،لأن ما يميز المحاماة عنها هي تعريفها بأنها مهنة مستقلة.
وقد تم التأكيد على تلك الاستقلالية في م 3 من قانون المهنة بالتأكيد على ضرورة أن يتقيد المحامي في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد و النزاهة والكرامة و الشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة و أعراف المهنة .
ولم يكن أبدا من قبيل التكرار تأكيد المشرع هاته الاستقلالية من خلال المادة 12 عند أداء قسم المحامي : أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع و الاستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة و استقلالية…
ولترسيخ هذا المبدإ أعطى القانون اختصاصات التأديب والتسيير لنقيب و مجلس هيئة المحامين دون غيره .حسب المواد 61 وما بعدها و 82 وما بعدها.
هاته المواد تجعل الاستقلالية ركنا مقدسا يفتخر به المحامون وتتميز به مهنة المحاماة عن غيرها.
فما الذي يعترض استقلالية المحامي وهيئاته في القانون 15-98 ؟
بالرجوع إلى القانون المذكور نجد أن :
المادة 7 تشير إلى أنه يتعين على كل شخص أن يطلب تسجيل نفسه لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.فيما المادة 29 تنص على أن هذا الصندوق الذي عهد له بتدبير نظام التأمين الاجباري يعدّ بالنسبة لكل مؤمن شهادة تثبت انتظام أداء واجبات الاشتراك المستحقة.وأنه يتعين على الهيئات التي تسلم رخصة لمزاولة مهنة من المهن بأن تطلب من المؤمن نسخة من الشهادة قبل تسليمه أي وثيقة أخرى مرتبطة بمزاولته للمهنة –م30- وهو ما فصله المرسوم التطبيقي رقم 622.18.2 في المادتين 4 و 5 .أي أن المحامي أصبح ملزما بأن يدلي أمام هيئته بإبراء مسلم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كل سنة.وأن على الهيئة أن تطالبه بذلك تحت طائلة عدم تسليمه أية وثيقة مهنية.وأنه يتعين على السلطات الحكومية والجماعات الترابية و المؤسسات العمومية طلب تلك الشهادة من المحامي قبل تسليمه أي وثيقة.
وبطبيعة الحال عدم طلب التسجيل خلال الآجال القانونية يعاقب عليه بغرامة من 1000 إلى 5000 درهم،كما هو الشأن بالنسبة لعدم أداء الاشتراكات داخل الآجال القانونية والمعاقب عليه بغرامة من 200 إللى 2000 درهم حسب المادة 31 مع تطبيق زيادة نسبتها 1 % عن التأخير.
إذن عمل المحامي سيصبح متوقفا على شهادة يسلمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لإيداعها لدى هيئته والحصول على رخصة عمل لمدة سنة .وبموجب تلكم النصوص فإن المحامي الذي لم يسجل أو لم يؤدي واجبات اشتراكه سيصبح مثقلا بالغرامات والزيادات وسيمنع من ممارسة المهنة بسبب عدم تمكنه من الأداء.
ولن يكون بمقدور الهيئات تجاهل كل ذلك ، فبقدر ما حمل القانون المسؤولية للمحامي بقدر ما حمل المسؤولية للهيئات في المادة 10 ،إذ يتعين عليها موافاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمعلومات المتوفرة لديه عن كل شخص .تحت طائلة غرامة من 5000 إلى 50000 درهم عند الامتناع عن موافاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالمعلومات المتوفرة لديها أو موافاتها بمعلومات كاذبة.وهو ما سأتحدث عنه لاحقا عند الحديث عن مساس القانون بمهام الهيئات وأنظمتها.
وسيتضح المساس السافر بمبدإ الاستقلالية عند الإطلاع على تشكيلة الصندوق ،فبعدما عهد القانون إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتدبير نظام التأمين الإجباري على المرض في المادة 15 ،حددت المادة 17 تشكيلة مجلس إدارة الصندوق المتعلق بتدبير النظامين والمكون من رئيس و8 أعضاء ممثلين عن الإدارة وممثل واحد عن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وهو إداري أيضا إضافة إلى عضوين عن النقابات الأكثر تمثيلية و 7 أعضاء ممثلين عن المؤمنين حددت المادة الأولى من المرسوم التطبيقي رقم 624.18.2 انتماءاتهم لتختزلها في ممثل واحد عن قطاع العدل الذي يضم عدة مهن حرة من بينها المحاماة،تقترحه السلطات الحكومية التابع لها القطاع .
إذن هناك مساس واضح باستقلالية المحامي وباستقلالية مؤسساته ولكم أن تتصوروا كل من زاويته مدى تأثير ذلك على مهنة المحاماة بعد أن تصبح الإدارة متحكمة بقوة هذا القانون في المهنة بواسطة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك أمر خطير جدا.
2 -حدود احترام القانون 98-15 لاختصاصات مجالس الهيئات وأنظمتها :
إن ما يميز مهنة المحاماة ليس الاستقلالية فقط ،وإنما تنظيم المحامين الذاتي لهيئاتهم واختصاصاتها الحصرية وأنظمتها الداخلية. ولعل أهم اختصاص يهم موضوعنا هو ما جاء في الفقرة الخامسة من المادة 91 من قانون المهنة والذي يسند لمجالس الهيئات مهمة إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة أعضائها وتوفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات والمعاشات لهم أو للمتقاعدين منهم أو لأراملهم وأولادهم سواء في شكل مساعدات مباشرة أو عن طريق تأسيس صندوق للتقاعد أو الانخراط في صندوق مقبول للتقاعد.
والمشرع المغربي ليس استثناء في إسناده لمجلس الهيئة لتلك المهام،فأغلب التجارب المقارنة توضح بأن الأجهزة المهنية للمحامين هي التي تختص بتدبير الشأن الاجتماعي لهم .
فقانون المحاماة التونسي مثلا ينص في فصله 62 على اختصاصات مجلس الهيئة ومن بينها إدارة صندوق الحيطة و التقاعد للمحامين وتنظيم الرعاية الصحية والاجتماعية لأسرهم وتقدير المصاريف الراجعة للأرامل والأولاد بالنسبة لمن توفي من المحامين.
وقد فصلت بعض الأنظمة الداخلية تلكم المهام كما اجتهدت واشتغلت بعض الهيئات على وضع مشاريع داخلية خاصة بالتقاعد و التكافل والتضامن و غيرها.فأصبحت قوانين داخلية سارية المفعول،وربما كانت هيئة المحامين بأكادير سباقة إلى ذلك أعقبتها عدة هيئات ومنها هيئة المحامين بالناظور التي اطلقت العمل بنظام للاحتياط الإجتماعي قبل أسابيع.
وبالرجوع للقانون 98-15 وقرينه 99-15 نجد أن جل مرتكزاتهما تتعارض كليا مع المقتضيات التي جاء بها قانون مهنة المحاماة في المادة 91 كما أنهما يخالفان مقتضيات القوانين الداخلية للهيئات في هذا الإطار. فالقانونان نزعا اختصاص الهيئات بهذا الخصوص ومنحاه لزاما للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.كما أن القانون جعل من الهيئة شبه فرع لصندوق الضمان الاجتماعي بالنص في م 10 على أنه يتعين على الهيئات أن تقوم بموافاة صندوق الضمان الاجتماعي بالمعلومات المتوفرة لديها المتعلقة بكل شخص معني .فضلا عن إلزامها في المادة 30 بأن تطلب من المحامي نسخة من شهادة سنوية يمنحها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تفيد أداء الإشتراكات ليواصل القيام بمهامه.
وكما أسلفنا عند الحديث عن الاستقلالية فمن الغريب جدا أن يبدع هذا النص بأسلوب القانون الجنائي في فرض عقوبات على الهيئات التي تمتنع عن موافاة الصندوق بالمعلومات فالمادة 33 نصت على غرامة من 5000 إلى 50000 درهم وغرامة تهديدية 200 درهم عن كل يوم تأخير.وهي عقوبات قد تهدد جديا مالية الهيئات وصندوق ودائع المواطنين .
ويظهر من خلال كل ذلك أن المشرع كان مخطئا بمنهجيته في خلق هذا النص القانوني وسقط في فخ عدم إشراك المحامين في مناقشة قوانين تخصهم ،وأن من صاغ القانون لم يكلف نفسه عناء ملاءمته مع قانون مهنة المحاماة .مما أنتج نصا معيبا صيغ بشكل عام لا يمكن معه أن يسري على مهنة المحاماة لأن ذلك سيتسبب في نشوء وضع غير طبيعي للمحامين وأجهزتهم وبالتالي لن تتحقق الغايات من إخراجه إلى حيز الوجود بالنسبة لهاته الفئة.
3-مدى تعارض القانون 98-15 مع أنظمة تعاضدية المحامين:
قبل الحديث عن مدى تعارض القانون الجديد مع أنظمة تعاضدية المحامين ،ولتكوين فكرة واضحة عن كيفية العمل بنظام يكفل الحماية الاجتماعية للمحامي،أقترح وبشكل موجز إطلاعكم على بعض التجارب من دول أخرى.
فبفرنسا مثلا أنشأ المحامون الصندوق الوطني لهيئات المحامين :Caisse Nationale
des Barreaux Français (CNBF)
وهو صندوق مستقل همه تقديم خدمات اجتماعية للمحامين الذين يجب أن ينخرطوا فيه إجباريا كيفما كانت وضعيتهم المهنية وذلك عن طريق أدائهم مساهمات تراعي خصوصية مهنة المحاماة وبحسب سنوات الممارسة و الدخل المهني المصرح به ) 2 % من الدخل ).
كما أن زملاءنا الإسبان يتوفرون على ما يسمى : تعاضدية المحاماة Mutualidad abogacia وهو صندوق مستقل أحدث لضمان الحماية الاجتماعية للمحامين ويقدم خدمات الـتأمين الصحي والتقاعد وغيرها ،حيث يضم حاليا أكثر من 200.000 منخرط (بعد أن فتح في وجه مجموعة من المهن القضائية).
وبتونس الخضراء فإن قانون مهنة المحاماة يشير كما سلف وأن ذكرنا إلى صندوق الحيطة و التقاعد للمحامين و الذي تحول إلى صندوق التغطية الصحية والمنح الوقتية ،وهو صندوق يديره مجلس إدارة يرأسه عميد الهيئة الوطنية للمحامين ويتكون من أعضاء مجلس الهيئة .
أما في الأردن فإن مهنة المحاماة منظمة بمقتضى تسعة أنظمة أربعة منها تتعلق بالحماية الاجتماعية للمحامين :1-نظام التقاعد والضمان الاجتماعي للمحامين (إدارة خزانة التقاعد من طرف مجلس نقابة المحامين)-2-نظام الصندوق التعاوني للمحامين(تقديم المساعدة عند الوفاة أو العجز)-3-نظام التأمين الصحي (تقديم الخدمات العلاجية للمحامين وأسرهم)-4- نظام التكافل الاجتماعي .
هاته التجارب تظهر أن تعاضديات المحامين صناديق مستقلة عن الدولة تتمتع بتسيير ذاتي يسهر عليه محامون ،في تناغم و ملاءمة لخصوصية مهنة المحاماة و احترام لأنظمة الهيئات.
ولقد اطلع نقباؤنا و زملاؤنا بكل تأكيد على تلكم التجارب ،وبادروا مشكورين لتأسيس الفعل التضامني داخل الجسم المهني ،وأبدعوا في إنشاء التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب. والتي اشتغلت في تنسيق تام مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب وجميع الهيئات و أسست لحماية اجتماعية للمحامين بالمغرب منذ سنة 2008 واتسمت أشغالها بمواكبة رسمية من لدن السلطات المختصة ومن بينها وزارة التشغيل.واستمرت تلكم المواكبة عند وضع التعديلات المدخلة على ضابطها الداخلي حسب مقدمة الطبعة الرابعة المؤرخة في نونبر 2016 والتي صاغها السيد الرئيس النقيب مبارك الطيب الساسي والتي أشار فيها إلى أن التعديلات المدخلة متفق عليها مع وزارة التشغيل.
عمل التعاضدية إذن كان تحت أنظار وزارة التشغيل والحكومة،والتي آثرت سنة 2017 أن تخرج القانون رقم 98-15 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض و القانون رقم 99-15 المتعلق بإحداث نظام للمعاشات.وليخضع المرسوم 763.19.2 المحامي لهذا القانون ( ° ) لنصـبح أمام نظامين للتعاضد: نظام تعاضدية هيئات المحامين و نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وهذا الفرض المزدوج والإجباري للقانون الجديد انتهك مجال عمل التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب ضدا على فلسفة قوانين التغطية الصحية و التعاضد والتي تتمثل في تغليب مصلحة الخاضعين لها ومنحهم منافع أكثر مما يتوفرون عليه.
وقد جاء القانون 98-15 متناقضا مع نفسه ومع مراسيمه التطبيقية ،فمن جهة نصت المادة 3 على أنه”يخضع لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض …الأشخاص المنتمون لإحدى الفئات …شريطة أن لا يكونوا خاضعين لأي نظام آخر للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض”. ومن جهة ثانية أخضع المرسوم 763.19.2 المحامي لذلك النظام رغم توفره على تعاضدية ونظام للتأمين الصحي.
ومن خلال مقارنة بسيطة لعملية التسجيل و الأداء والتعامل المفترض للقانون الجديد سيتبين لنا من جديد أن أسلوب تعاضدية هيئات المحامين بالمغرب التي وضعت على مقاس المحامي يتم باستحضار لخصوصية عمله ووقته الثمين و إمكانياته في احترام تام لنظام الهيئات.
فإيداع جميع الطلبات المتعلقة بخدمات تعاضدية هيئات المحامين يتم لدى كتابة الهيئات والتي يتواجد بها المحامي بشكل شبه يومي مما يزيح عنه عبئ الذهاب لإدارات أخرى و تحمل بيروقراطية الإدارة والوقوف في صف طويل مكتظ. كما أن أداء الإشتراكات يتم حاليا بشكل سلس و تلقائي من طرف الهيئات وبمبلغ اشتراك أقل من ذاك الذي يفترض أداؤه لصندوق الضمان الاجتماعي مما يغني المحامي، خصوصا المحامي الشاب ،عن أداء مفرط سيتعرض بسبب التوقف عنه إلى الحرمان من ممارسة مهنته وبالتالي ضياع مصالح موكليه .
لقد انتبه عموم المحامين لكل ذلك وخرجوا بتوصية خلال المؤتمر الأخير بفاس تنادي بالتمسك بتعاضدية هيئات المحامين بالمغرب،وقد مضت جمعية هيئات المحامين بالمغرب في هذا الاتجاه معبرة في مذكرتها المرفوعة للسيد وزير الشغل والإدماج المهني عن رفضها المطلق الانخراط في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مطالبة باستثناء المحامين ولو عبر تعديل تشريعي من تطبيق القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرسوم 763.19.2 الصادر في 3 أكتوبر 2019 أخضع عدة أصناف للقانونين.تضم هذه الأصناف الأطباء، أطباء الأسنان، البيولوجيون، الصيادلة، مهنيو التمريض، القوابل، مهنيو الترويض والتأهيل وإعادة التأهيل الوظيفي، محضرو ومناولو المنتجات الصحية، المختصون في علم النفس دون الأطباء المتخصصين في الطب النفسي، المهن القانونية والقضائية، الأشخاص الذاتيون المزاولون لأنشطة في المجالات المالية والمحاسبية والتأمينات؛ الأشخاص الذاتيون المزاولون للمهن المرتبطة بالبناء وبالأشغال العمومية، الأشخاص الذاتيون المزاولون أنشطتهم في مجالات الخبرة والتدقيق والاستشارة، الأشخاص الذاتيون المزاولون لمهن النقل.
ولا أدري إن كان صوت المحامين قد وصل لدى المسؤولين لكن يبدو أن الحكومة ماضية في سعيها لإخضاع المحامين لهذا القانون.ولذلك أقترح الخطوات العملية الآتية :
- دعوة تعاضدية هيئات المحامين بالمغرب إلى عقد جمع عام للمصادقة على تعديل المادة 7 من النظم الأساسية بجعل الخضوع للتعاضدية إجباريا بالنسبة لجميع المحامين.وبالتالي سيكون هناك تعارض واضح مع القوانين الجديدة التي تستثني كل الخاضعين لأي نظام إجباري آخر،ولن يمكن تبعا لذلك إخضاع المحامين للقانونين بعد صيرورة الإنخراط بتعاضدية المحامين إلزاميا.مع إطلاق التعاضدية لورش داخلي بغرض إصلاح وتجويد خدماتها بشكل يحفظ مصالح جميع المحامين و أسرهم.
- دعوة السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب لمجالس الهيئات لملاءمة وتعديل القوانين الداخلية لهيئاتهم والنص بها على أن انخراط المحامين بتعاضدية هيئات المحامين بالمغرب إجباري.وكذا النص على إلزامية خضوع المنتسبين لها لأنظمتها الاجتماعية الداخلية .
- توجيه كتاب للسادة رئيس الحكومة ووزير العدل ووزير التشغيل وكل الجهات ذات الصلة بالموضوع قصد اقتراح مشروع مرسوم لتعديل المرسوم 763.19.2 الصادر في أكتوبر 2019 وحذف المحامين من لائحة المهنيين الخاضعين له أسوة بالتعديل الذي قام باقتراحه السيد وزير التشغيل على المرسوم رقم 622.18.2.
- دعوة المكتب الفدرالي لفدرالية جمعيات و اتحادات المحامين الشباب بالمغرب إلى جعل هذا الموضوع حاضرا وبقوة على جدول أعمال اجتماعه المقبل لتحديد سبل التعاطي معه ونقل النقاش إلى جمعيات واتحادات المحامين الشباب في ربوع الوطن الحبيب لإطلاع أعضائها على تفاصيله و إبقائهم في حالة تأهب واستعداد لكل الإحتمالات المتاحة والمناسبة بما فيها النضالية عند عدم تجاوب الحكومة اقتداء بما يخوضه زملاؤنا بفرنسا من أشكال نضالية يبدعون من خلالها في إيصال صوتهم لحكومة لازالت تصم آذانها.
إن المحامي يستشعر قوة و نبل مهنة المحاماة من خلال ممارستها في ظل قوانين خاصة ومؤسسات مهنية قوية وفعالة ومستقلة ومن شأن انتزاع اختصاصات المجالس تدريجيا الإجهاز على تلكم الاستقلالية،وفقدان رسالة المحاماة لخصوصيتها ولبريقها و تألقها لن يكون أبدا خيارا مطروحا لأي نقاش مع أي جهة كانت ،لأن المحاماة عاشت وتعيش و ستعيش مستقلة وحرة وأبية.
عبد البر منديل
رئيس فدرالية جمعيات واتحادات المحامين الشباب بالمغرب