تمهيد :
طرحت وزارة العدل مشروعا طموحا لاعتماد الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية .
وقد كان قدر هذا المشروع التأخر الزمني لسنوات عن التاريخ الذي حددته الهيئة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة لتعديل المقتضيات القانونية المسطرية تمهيدا لإرساء مقومات المحكمة الرقمية، ورغم هذا التأخير فإنه لم يرقى لمستوى تنفيذ ما جاءت به مخرجات تقرير الهيئة فيما يتعلق بعدة جوانب أهمها نزع التجسيد المادي عن الإجراءات والمساطر القضائية والحوسبة الشاملة للمساطر والإجراءات القضائية وخلق الملف الإلكتروني.
وهنا يجب استحضار أن قانون المسطرة المدنية عرف عدة تعديلات خلال السنوات الأخيرة، غير ان مقترحات تلك التعديلات لم تكن تهتم بجعل الوسائط الإلكترونية وسائل معتمدة في الإجراءات القضائية.
وبالتالي يظهر أن صدور هذا المشروع جاء في سياق استثنائي تحاول من خلاله وزارة العدل إيجاد حلول للتعثر الكبير الذي تعرفه العملية القضائية خلال مرحلة تفشي وباء كورونا وتجاوزه باعتماد الإجراءات الإلكترونيةفي التقاضي وهو أمر محمود غير أن إخراج مثل هذا القانون الهام خلال مرحلة استثنائية بسرعة قد تكون له تداعيات سيئة وخطيرة على جودة هذا النص القانوني الذي سيؤطر العملية القضائية لعقود عديدة مقبلة، وحسنا فعلت وزارة العدل بإحالة المشروع على هيئات المحامين للتريث في مناقشته وإعطاء الوقت الكافي لفتح حوار للتشاور بشأنه مع سائر الفاعلين .
ومساهمة منها في هذا النقاش ارتأت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب تلخيص بعض ملاحظاتها على المشروع كالآتي:
1_ المشروع ينطلق دون تعريف او “سابق إنذار” في استعمال مجموعة من المصطلحات التقنية التي كان الأولى أن يعرفها.
فمثلا نجد مصطلحات من قبيل: الوسائط الإلكترونية-النظام المعلوماتي-المنصة الإلكترونية -الحساب الإلكتروني المهني للمحامي -العنوان الإلكتروني الرسمي -التبليغ الإلكتروني -الرقم الوطني إلخ…دون معرفة ماهية تلك المصطلحات بشكل واضح.
وذلك راجع ربما لتعديل بعض الفصول دون إصلاح شامل للمسطرة المدنية ،فالاقتصار على تعديل بعض الفصول فقط قد لا يتيح التجديد التام.
ولذلك يجب أن يتضمن المشروع تعريفا لتلك المصطلحات في مستهل المسطرة المدنية في افق تعديل جذري شامل لفصولها .
2- المسودة استعملت بعض المصطلحات غير المصطلحات المستعملة في قانون المسطرة المدنية، من قبيل: محكمة الدرجة الأولى ، محكمة درجة ثانية، رغم أن قانون المسطرة المدنية يستعمل مصطلحات المحكمة الابتدائية، محكمة الإستئناف، محاكم الإستئناف.وهو ما يعطي انطباعا ان الامر يتعلق بقانونين مختلفين.
3- ترك المشروع غموضا كبيرا بعدما أحال في العديد من فصوله الهامة على إجراءات وتفاصيل سيوضحها و يأتي بها نص تنظيمي.
وجميعا نعلم ما قد يحصل فهذا النص التنظيمي قد لا يصدر إلا بعد ردح طويل من الزمن أو قد يصدر معيبا وناقصا لا يخدم المتقاضين بالشكل الملائم ولا يساعد أطراف العملية القضائية للقيام بأدوارهم المفترضة ويركز همه على الكم والإنتاجية دون أي شيء آخر.
4-المشروع لا يتحدث عن ملف رقمي وإنما عن إجراءات إلكترونية تتحول إلى ملف ورقي تستتبع ذلك جلسات وإجراءات أغلبها عادية وبالتالي لم تتحول كامل الإجراءات الورقية إلى إجراءات إلكترونية كما جاء بمخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة المعول على تنفيذ توصياته.
5-تعديل فصول دون الإلتفات لأخرى يجب تعديلها لتتكامل العملية القضائية وإجراءاتها الإلكترونية.
6-تعديل فصول المسطرة المدنية يفترض أن يطال التعديل مجموعة من القوانين الأخرى لتواكب هذا التحول الرقمي في نصوصها.
7-المشروع لا يتضمن أية تحفيزات للعمل بالوسائط الإلكترونية. فطالما أنه أبقى العمل اختياريا بها فسيلجأ الأغلبية للأساليب المعتادة، وبالتالي لن يتحقق القصد، ولذلك وجب اعتماد بعض الامتيازات لمن سيعتمد الخيار الرقمي: مثلا تخفيض الرسوم و الصوائر القضائية عند الأداءات الإلكترونية – زيادة رسم المرافعة لتشجع الهيئات على استعمال الوسائل الرقمية-اعتماد آجال قريبة – تقليص الزمن القضائي في الملفات الإلكترونية – سرعة وتحرير الاحكام في الملف الإلكتروني-التنفيذ السريع إلخ …
8-المشروع لم يوجب أن تخزن بالنظام المعلوماتي العناوين الإلكترونية الرسمية لجميع المؤسسات العمومية و الشبه العمومية ودمج معطيات السجل التجاري لجميع الشركات المسجلة بالسجل التجاري الرئيسي وجميع التعاونيات والوداديات واتحادات الملاك إلخ .لأن ذلك سيسهل التبليغ إليها بحيث يكفي إدخال إسم جهة ما ليظهر عنوانها و اسم ممثلها القانوني وغير ذلك من المعلومات المهمة، وفي ذلك أيضا تشجيع على استخدام هاته الوسيلة و تيسير للعملية برمتها.
9-المشروع تضمن إمكانية الأداء الإلكتروني دون اعتماد إمكانيات التحويل البنكي أو عن طريق وكالات تحويل الأموال.
10-خطورة تضمن المشروع لجزاء عدم القبول عند عدم تضمين بعض البيانات التي اعتبرها إلزامية مثل الحساب الإلكتروني للمحامي والرقم الوطني وهو أمر يثير التساؤل، فمن ناحية أولى فاللجوء إلى مسطرة إيداع المقالات عبر الطريقة الإلكترونية هو أمر اختياري حسب المسودة مما يعني أن المحامي ليس ملزما بالتسجيل الإلكتروني وإنما هو إجراء اختياري، مما يكون معه إضافة بيان الرقم الوطني والحساب الإلكتروني للمقالات أمرا غير منطقي ويعتبر تناقضا بين فصول المسودة، مما يستلزم سحب هذا المقتضى من مشروع القانون المرتقب.
11 – عدم وضوح العملية القضائية في ظل الفصول المعدلة والتي يجب ان تحكمها رؤية عملية وقانونية متكاملة بالنسبة لجميع الأطراف المتدخلة في العملية القضائية ومكوناتها.
ونقترح في هذا الإطار مايلي :
فبما أن الإجراءات ستكون إلكترونية وستكون العملية إلكترونية بالنسبة للمحامي وباقي المتدخلين فيجب أن تكون هناك منصة ورقم وطني خاص بالسادة القضاة.
أ -فعندما يقوم المحامي بتقديم دعوى عبر منصته يختار المفوض القضائي ويؤدي أتعابه إلكترونيا فيتم حالا حسب الفصل 31.1 تعيين القاضي المكلف أو المقرر وتاريخ الجلسة، ويمكن للمحامي ان يطبع من مكتبه وصلا يفيد إيداعه المقال يحمل رقم الملف وتاريخ الجلسة واسم القاضي ورقمه الوطني.
ب-يرسل النظام الإستدعاء للبريد الإلكتروني للمدعى عليه إن وجد مع إشعار بالتوصل أو للمفوض القضائي المختار ليطبعها بمكتبه من منصة المفوضين التي ترسل له تنبيها بورودها، وعند تبليغها يقوم بحفظ أصل التبليغ بمكتبه وبتوجيه صورة منه عبر منصته للملف الرقمي حيث تشعر المنصة محامي المدعي بوقوع التبليغ.
ج -يرسل النظام المقال ومرفقاته للقاضي المكلف بالقضية او المقرر عبر منصته ويرسل له تنبيها بورودها، ويمكن له الاطلاع على الملف الافتراضي من أي مكان يتواجد به، دون حاجة لأي ملف ورقي كما يمكنه أن يأمر بأي إجراء يراه مناسبا لتحقيق الدعوى، فمثلا بعد جواب المدعى عليه في الدعوى يخبر النظام القاضي بورود جواب في الملف ويرسل له تنبيها ليقوم القاضي باتخاذ الإجراء المناسب افتراضيا ويقوم النظام بإرسال تلك الإجراءات مباشرة للمدعي أو/و لمنصة كتابة الضبط ودون حاجة لإدراج الملف بالجلسات العلنية إلا بعد صدور الأمر بالتخلي.
وفي حالة رغبة المحامي في تقديم طلب مباشر للقاضي مثلا: الإخراج من التأمل أو المداولة او طلب تقريب الجلسة أو أي طلب يستطيع أن يوجهه من المنصة عن طريق رقم الملف مباشرة للقاضي برقمه الوطني مع استخراج وصل يفيد ذلك.
وفي حالة رغبة المحامي في أداء صائر الخبرة يمكنه الدخول للمنصة لأدائها إلكترونيا وبقيامه بذلك يجب ان يرسل النظام للحساب الرسمي للخبير أمرا بإنجاز الخبرة ويضع رهن إشارته الملف الإلكتروني للاطلاع عليه، ويمكن للخبير وضع الخبرة إلكترونيا وإرسالها للنظام الذي يرسلها للقاضي برقمه الوطني والذي يطلع عليها ليأذن بصرف أتعاب الخبير بإرسالها مباشرة لحسابه ويوجه مرسلا الخبرة للأطراف.
د -يرسل النظام جميع الإجراءات لمنصة كتابة الضبط التي تسجل بها آليا تفاصيل الإجراءات مباشرة عند القيام بها ويحفظ بها، عند وجوده، الملف الورقي الذي يضم المقال ومرفقاته ومذكرات الأطراف ونسخ ورقية من الإستدعاءات إن تم التوصل بها وكذا بباقي الإجراءات.
وذلك بهدف ضمان سلاسة الإجراءات وسهولتها وتخفيف العمل عن المحامي والقاضي وكتابة الضبط والمفوض القضائي وتخفيف الضغط عن الجلسات مع تقليص الزمن الإفتراضي للملف.
12- عدم اعتماد المشروع على السند التنفيذي الإلكتروني و الإبقاء على التنفيذ رهنا بالنسخة التنفيذية الورقية والتنفيذ شبه العادي.
13- الفقرة الأخيرة من الفصل 332من مسودة القانون تتحدث عن تبليغ مذكرات الدفاع والردود وكل المذكرات والإستنتاجات طبقا لمقتضيات الفصل36 وما بعده بمجرد إيداعها، فيما لم يتم تغيير طريقة التبليغ المنصوص عليها في الفصل 329 رغم أن المسودة حملت تعديلات بخصوص الفصل 329، بحيث بقي النص يتحدث عن التبليغ طبقا للفصول 37 و 38 و 39، حيث أن في قانون المسطرة المدنية الحالي كان هناك تطابق بين الفصلين من خلال إحالة الفصل 332 على طريقة التبليغ المنصوص عليها في الفصل 329، مما يجدر أن تبقى الفقرة الأخيرة من الفصل 332 كما هي في قانون المسطرة المدنية الحالية، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للفقرة 6 من الفصل 329 ، فالفصل 36 المحال عليه في المسودة في الفقرة الأخيرة من الفصل 332 لا علاقة له بتبليغ المقالات الإستئنافية والمذكرة والمستنتجات على المرحلة الإستئنافية ،فعلى هذه المرحلة يبلغ المقال الإستئنافي وليس الاستدعاء ، وبالتالي فإقحام الإحالة على الفصل 36 لا مجال له في هذا الفصل.
14-مسودة القانون تتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، إلا أن مسودة المشروع تعدت ما يتعلق بما هو إلكتروني، إلى إضافة مقترحات نصوص لقانون المسطرة المدنية، من قبيل، الفصل 330 الذي أضاف مقتضى يعتبر تعيين محام بمثابة محل مخابرة وتبلغ إليه كل الإجراءات.
فاعتبار المشروع المحامي محلا للمخابرة مع موكله في جميع مراحل المسطرة وتبلغ إليه جميع الإجراءات باستثناء الاحكام الصادرة في الموضوع يجب أن يستثنى منه الأوامر التمهيدية أيضا.
15- بخصوص تعيين القاضي المكلف بالقضية على مستوى المحاكم الابتدائية، وكذا المستشار المقرر على مستوى محاكم الاستئناف، يعين تلقائيا من قبل النظام المعلوماتي، إلا أنه على مستوى محكمة النقض فمشروع المسودة يتحدث عن تعيين المستشار المقرر من قبل رئيس الغرفة بواسطة النظام المعلوماتي، والأصح في نظرنا هو أن تكون نفس الطريقة حتى على مستوى محكمة النقض، أي أن يكون التعيين تلقائيا بواسطة النظام المعلوماتي.
16-عدم تضمن المشروع لأية احكام تتعلق بحماية المعطيات الشخصية.
17-عدم تضمن المشروع لأية أحكام واجبة التطبيق في حالة التعرض لقرصنة حسابات أو ملفات افتراضية أو تلاعبات إلكترونية وغيرها.
وبغية التعاطي الإيجابي مع هذا المشروع وأهمية الرقمنة في تطوير العمل المهني للمحامين وللعملية القضائية،تعتزم فدرالية المحامين الشباب عن إطلاق خطتها الوطنية لرقمنة مكاتب المحامين والتي ستعلن عن تفاصيلها بحول الله يوم 25 يناير 2021 بالدار البيضاء .
عن المكتب الفدرالي
الرئيس
عبد البر منديل